الشعر مستعصياً
بلال خبيز
كلنا قلّدنا الماغوط في لحظة او في أخرى، وكلنا أحببنا شعره. لكننا دائماً لا نتأثر بالماغوط بل نقلده.
نعرف منذ زمن اننا نستطيع ان نتأثر بالصناعة: بطريقة ليّ الجمل، وطريقة الإنشاء. لكننا لا نستطيع ان نقلّد الروح. والماغوط كان على الأرجح روح الشعر العربي الحديث.
نقرأ الماغوط قراءً، لكننا نقرأ الآخرين بحرفة الصاغة. نعرف كيف تتالت الجمل، واين يكمن سر الصناعة الماهرة، وكيف يمكن استحلاب الفكرة من اللغة، وكيف يمكننا ان نقول شيئاً لا يعني شيئاً في ذاته، لكنه يستطيع ان يوحي ويغمر ويطوف. لذا نبادر إلى تنحية الماغوط جانباً، فهو لغزنا الذي نتحدى به شعرية الشعراء. نحن لا نشبه الماغوط، لكننا نجزم ان الآخرين لا يشبهونه، وان في قلة شبههم به ما يجعلهم ناقصين واقل من ان يكونوا شعراء. نقرأ الماغوط ولا نجرؤ ان نكتب على منواله. ذلك اننا نحتاج ان نكون في حال من اثنتين لنكتب مثل الماغوط: إما اننا نجهل ما كتب، وإما اننا قررنا ان نلقي بكل ما قرأناه في سلة المهملات، لنباشر الشعر من حيث تقودنا أمزجتنا الحارة في تلك اللحظة. لذا كله تبدو معرفة الماغوط لعنة. قراءته تشبه لعنة نحيل آثارها المدمرة على غيرنا، على شعرائنا الكبار تحديدا. لكننا لا نحسن ان ننجو منها.
كتب الماغوط ما يكفي ليجعل الشعر مستعصياً. وليجعلنا ننصرف عنه إلى صناعة المعجبين والأفكار النقدية. لا نقول في شعر الماغوط الكثير، ذلك انه يشبه الأنصاب، نتفق على معناه ولا نجرؤ على مساءلة معانيه مرة أخرى. ففي مثل هذا التجرؤ ما يجعل كل ما حاولنا تحقيقه في مهبّ الريح.
الآن بعد الماغوط، أفكر ان من الأنسب لي ان أتجاهل وجوده كلياً. وان انسى انه وجد ذات يوم. ففي مثل هذا النسيان ما يجعلني قادراً على تصديق ما اكتب والدفاع عنه.
No comments:
Post a Comment