Saturday, April 2, 2011

رثاء مؤجل

 رثاء مؤجل


- 1 - 

بعد احتلال الكويت عام 1990 أصيب رفيقي و صديقي الياس مسوح بالجلطة الأولى 
و عند تحريرها على أيدي القوات الأمريكية أصيب بجلطة ثانية 
و في « أم المعارك » أصيب « بأم دم »
و رغم أنني انتهيت بعكاز واحد و هو باثنين و بأنابيب الأوكسجين في فمه و أنفه و بنطلون من الأوردة و الشرايين الصناعية 
ظلّ مرشدي الطبي و العاطفي و اللغوي و الاستراتيجي ثم انصرف إلى قريته مرمريتا للإشراف على المرضى و المعوزين من أبناء جلدته 


و انصرفت أنا إلى حالي بعد أن فقدت القدرة و المزاج لمتابعة أية أخبار 
و ما من صديق موثوق بجانبي 
و لا أعصاب تحتمل واقعاً جديداً و خريطة جديدة و أحلاماً جديدة 

حتى مجريات الحرب الراهنة تتناهى إلى مسامعي صدفة من الجيران أو مندوبي المبيعات المنزلية من مكانس و منظفات و غيرها 
و بما يمضي من الوقت أقضيه متثائباً في فراشي على مدار الساعة 
و كنا نتبادل : 
السلامات 
و التحيات 
و القبعات 
و القمصان 
و أسماء الأدوية 
و عندما احتفل كل منّا بعيد ميلاده السبعين 
تبادلنا الأنخاب 
و لم يبق ما نفعله بعد ذلك 
سوى تبادل القبور و المقابر 

و فجأة صرخت :
أي فجر عظيم اختفى ؟


- 2 - 

لم أكن مستعداً لكل هذا الظلام 
كنت أعتقد أن كل شيء مؤجل 
حتى يصفو الجو و تندثر الفلول 
بعد أن طاردناها و طاردتنا طويلاً 
و يقتنع التاجر أن هناك حساباً آخر 
غير المدوّن في دفاتره
و أنه سيتم ترسيم الحدود بين الجنة و النار 
و الحزن و الفرح 
كما ترسم حدود الممالك و الإمارات 
بعد أن تضع الحرب أوزارها 
و يستقر طوفان الدماء على رأي !

و مع ذلك 
كل هذه الدموع التي كنت سأذرفها 
في المآسي المقبلة 
رهن إشارتك .

و لكنّي مضطر لتقنينها لأننا في زمن حرب !
و أنت تعرف قبل سواك 
كم يلزمنا من دموع و مناديل و دق صدور و لطم خدود !

هل نستوردها من المسلسلات المصرية و الهندية ؟

على كل حال 
بأجمل الأقلام و الألوان 
سأرسم الهلال الخصيب على قبرك
و أجمل الزهور و الفراشات 
و الطيور التي كنت بارعاً في اصطيادها 

و لكن المشكلة كما يقول أحد اليتامى : 
« ما من قبر جميل في العالم » !!

و مع ذلك سأرسم عليه نجمة داوود 
لتكون كلمتك مسموعة في الدنيا و ربما في الآخرة .