Sunday, January 2, 2011

محمد الماغوط الشعر ليس مهنتي


محمد الماغوط الشعر ليس مهنتي


النهار الثقافي
(لبنان)

محمد الماعوظفي آخر الزمان الأدبي، عندما يهجم الليل ويذهب الجميع الى مناماتهم، ويغادر الشعراء الى كتبهم ورفوفهم، قلائل من هؤلاء الشعراء سيظلون أحياء يُرزقون. منهم الذين رأوا ما لم يُر من قبل، ومنهم الذين نزفت أحلامهم ما لم يُنزف من قبل، ومنهم الذين كتبوا ما لم يُكتَب من قبل. هؤلاء، أكثر من غيرهم، سيظل شعرهم حياً لأنهم وسطاء المعرفة الوجدانية النبيهة، وهي لدينا، نحن الأدباء، أرفع أنواع المعرفة وأبعدها منالاً.
محمد الماغوط الذي مات منذ أيام (1934 - 2006)، سيكون واحداً من هؤلاء. لا لأنه فيلسوف عبقري أو مفكر عالم وعظيم، إنما لأنه شاعر.
تنطبق صفة الشاعر على محمد الماغوط كأنه يرتديها. بل كأنها ترتديه. وخصوصاً لأنه كان فريداً في سلطته على استدعاء الشعر الشعر حتى في النثر العادي واليومي والمباشر من لغة الحياة والأشياء الماثلة أمام العيش.
خرج الشعر من أحشائه الممعوسة بطفولات الألم والوجع والفقر والتسكع والديكتاتوريات السوداء، فظاً وليّناً، مدهشاً وسهلاً وممتنعاً، كما يخرج ضوء من حزن في قصيدة. من صحراء حياته أطلعَ الأخضر اليانع، كمن يُطلِع ماءً سلسبيلاً من قبر. يكفيه أنه كتب ديوانه الأول، "حزن في ضوء القمر"، الذي كضربة نرد. ويكفيه أنه اتبعه بديوانيه اللاحقين، "غرفة بملايين الجدران"، و"الفرح ليس مهنتي"، لكي ينتمي بقوة الى تلك الحزمة الباهرة من الشعراء الذين دوّخوا اللغة الشعرية العربية، وناموا معها فأنجبت منهم، ونقلوها من حيث لا يصلح يباسها لإشعال نار الى حيث يجدر بها أن تشعل الحياة برمتها.
أعماله الأخرى، مسرحاً وقصائد ومقالات، تتفيأ كلها تلك السماء، سماءه الشعرية الأولى، وتنسج على منوالها. وإذا أجزنا لأنفسنا أن نحرّف عنوان ديوانه، "الفرح ليس مهنتي"، لقلنا إن مهنة هذا البدوي الخارج من "العدم"، هي غريزته شاعراً. "الشعر ليس مهنتي"، سنجعل محمد الماغوط يقول ما نقوله عنه، ونضيف توضيحاً: "الشعر ليس مهنتي لكنْ غريزتي".
هذا الشاعر الذي قرأنا قصائده، ونحن فتية، وفي ما بعد، مثلما يلتهم الجياع أرغفة الخبز، بل مثلما يفوز المرء بالمرأة التي يشتهيها سواه، كل الذين سواه، نقدّم في هذا العدد، لقرائه، القدامى والجدد، ملفاً يتضمن قراءات لأدبه ومختارات من شعره، كي إذا قرئت، يكذّبنا القراء فيقولون: بل كان الشعر مهنته. وهي مهنة لا تنتهي بالموت!

"الملحق"

No comments:

Post a Comment